وبما علم في علم الحديث من التساهل في العمل بالضعيف، في أحاديث الفضائل، ولا سيما المعتضد منها بصحيح. وإيضاح شهادة الشواهد له أن حقيقة التلقين بعد الدفن مركبة من شيئين:
أحدهما: سماع الميت كلام ملقنه بعد دفنه.
والثاني: انتفاعه بذلك التلقين، وكلاهما ثابت في الجملة.
أما سماعه لكلام الملقن فيشهد له سماعه لقرع نعل الملقن الثابت في الصحيحين، وليس سماع كلامه بأبعد من سماع قرع نعله كما ترى. وأما انتفاعه بكلام الملقن فيشهد له انتفاعه بدعاء الحي وقت السؤال في حديث:"سلوا لأخيكم التثبيت فإنه يسأل الآن" واحتمال الفرق (١) بين الدعاء والتلقين قوي جدًّا كما ترى، فإذا كان وقت السؤال ينتفع بكلام الحي الذي هو دعاؤه له، فإن ذلك يشهد لانتفاعه بكلام الحي الذي هو تلقينه إياه، وإرشاده إلى جواب الملكين، فالجميع في الأول سماع من الميت لكلام الحي، وفي الثاني انتفاع من الميت بكلام الحي وقت السؤال، وقد علمت قوة احتمال الفرق بين الدعاء والتلقين.
وفي ذلك كله: دليل على سماع الميت كلام الحي، ومن أوضح الشواهد للتلقين بعد الدفن السلام عليه، وخطابه خطاب من يسمع، ويعلم عند زيارته كما تقدم إيضاحه، لأن كلًا منهما خطاب له في قبره، وقد انتصر ابن كثير رحمه الله في تفسير سورة الروم في
(١) كذا في الأصل، وفي العبارة شيء، إذ المؤلف يقرر عدم الفرق بين الدعاء والتلقين.