ومثال الاستعارة التبعية عندهم في متعلق معنى الحرف في زعمهم هذه الآية الكريمة، قالوا: اللام فيها كلفظ الأسد في المثال الأول، فإنه أطلق على غير الأسد؛ لمشابهة بينهما، قالوا: وكذلك اللام أصلها موضوعة للدلالة على العلة الغائية، وعلة الشيء الغائية: هي ما يحمل على تحصيله؛ ليحصل بعد حصوله، قالوا: والعلة الغائية للالتقاط في قوله تعالى: فالتقطه هي المحبة والنفع والتبني، أي: اتخاذهم موسى ولدًا، كما صرحوا بأن هذا هو الباعث لهم على التقاطه وتربيته في قوله تعالى عنهم:{قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} فهذه العلة الغائية عندهم هي التي حملتهم على التقاطه، لتحصل لهم هذه العلة بعد الالتقاط.
قالوا: ولما كان الحاصل في نفس الأمر بعد الالتقاط، هو ضد ما رجوه وأملوه، وهو العداوة، والحزن، شبهت العداوة والحزن الحاصلات بالالتقاط بالمحبة والتبني والنفع، التي هي علة الالتقاط الغائية بجامع الترتب في كل منهما، فالعلة الغائية: تترتب على معلولها دائمًا ترتب رجاء للحصول، فتبنيهم لموسى ومحبتة كانوا يرجون ترتبهما على التقاطهم له، ولما كان المترتب في نفس الأمر على التقاطهم له، هو كونه عدوًا لهم وحزنًا، صار هذا الترتيب الفعلي شبيهًا بالترتب الرجائي، فاستعيرت اللام الدالة على العلة الغائية المشعرة بالترتب الرجائي للترتب الحصولي الفعلي الذي لا رجاء فيه.
وإيضاحه: أن ترتب الحزن والعداوة على الالتقاط أشبه ترتب المحبة والتبني على الالتقاط، فأطلقت لام العلة الغائية في الحزن والعداوة، لمشابهتهما للتبني والمحبة في الترتيب، كما أطلق الأسد على الرجل الشجاع؛ لمشابهتهما في الشجاعة.