ورد مقيدان بقيدين مختلفين، فلا يمكن حمل المطلق على كليهما لتنافي قيديهما، ولكنه ينظر فيهما، فإن كان أحدهما أقرب للمطلق من الآخر حمل المطلق على الأقرب له منهما عند جماعة من العلماء فيقيد بقيده، وإن لم يكن أحدهما أقرب له، كلا يقيد بقيد واحد منهما، ويبقى على إطلاقه؛ إذ لا ترجيح بلا مرجح.
ومثال كون أحدهما أقرب للمطلق من الآخر صوم كفارة اليمين، فإنه مطلق عن قيد التتابع والتفريق، مع أن صوم الظهار مقيد بالتتابع في قوله تعالى:{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} وصوم التمتع مقيد بالتفريق في قوله تعالى: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} واليمين أقرب إلى الظهار من التمتع؛ لأن كلًا من صوم الظهار واليمين صوم كفارة بخلاف صوم التمتع، فيقيد صوم كفارة اليمين بالتتابع عند من يقول بذلك، ولا يقيد بالتفريق الذي في صوم التمتع. وقراءة ابن مسعود:"فصيام ثلاثة أيام متتابعات" لم تثبت؛ لإِجماع الصحابة على عدم كتب متتابعات في المصاحف العثمانية.
ومثال كونهما ليس أحدهما أقرب للمطلق من الآخر: صوم قضاء رمضان، فإن الله تعالى قال فيه:{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ولم يقيده بتتابع ولا تفريق، مع أنه تعالى قيد صوم الظهار بالتتابع، وصوم التمتع بالتفريق، وليس أحدهما أقرب إلى صوم قضاء رمضان من الآخر، فلا يقيد بقيد واحد منهما، بل يبقى على الاختيار إن شاء تابعه، وإن شاء فرقه والعلم عند الله تعالى. انتهى من (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب) مع زيادة يسيرة للإِيضاح.
الفرع الثاني: أعلم أن أهل العلم اختلفوا في رقبة كفارة