بالأذى ظنًا منهم أنهن إماء، فأمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن يتميزن في زيهن عن زي الإِماء، وذلك بأن يدنين عليهن من جلابيبهن، فإذا فعلن ذلك وراهن الفساق علموا أنهن حرائر، ومعرفتهم بأنهن حرائر، لا إماء هو معنى قوله:{ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ} فهي معرفة بالصفة لا بالشخص، وهذا التفسير منسجم مع ظاهر القرآن كما ترى. فقوله:{يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}؛ لأن إدنائهن عليهن من جلابيبهن يشعر بأنهن حرائر، فهو أدنى وأقرب لأن يعرفن، أي: يعلم أنهن حرائر، فلا يؤذين من قبل الفساق الذين يتعرضون للإِماء. وهذا هو الذي فسر به أهل العلم بالتفسير هذه الآية، وهو واضح. وليس المراد منه أن تعرض الفساق للإِماء جائز بل هو حرام، ولا شك أن المتعرضين لهن من الذين في قلوبهم مرض، وأنهم يدخلون في عموم قوله:{وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} في قوله تعالى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} إلى قوله: {وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (٦١)}.
ومما يدل على أن المتعرض لما لا يحل من النساء من الذين في قلوبهم مرض قوله تعالى:{فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} الآية. وذلك معنى معروف في كلام العرب، ومنه قول الأعشى:
حافظ للفرج راض بالتقى ... ليس ممن قلبه فيه مرض
وفي الجملة: فلا إشكال في أمر الحرائر بمخالفة زي الإماء ليهابهن الفساق، ودفع ضرر الفساق عن الإِماء لازم، وله أسباب أخر ليس منها إدناء الجلابيب.