للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا تحقيق فيه. ويوضح ذلك اعتراف الزمخشري نفسه بأنه لا يدري ما ذكره: هل هو كذا، أو على العكس؟ وذلك صريح في أنه ليس على علم مما يقوله؛ لأن من جزم بشيء، ثم جوز فيه النقيضين دل ذلك على أنه ليس على علم مما جزم به.

والأظهر الذي لا يلزمه إشكال أن الترتيب بالفاء لمجرد الترتيب الذكري، والإِتيان بأداة الترتيب لمجرد الترتيب الذكري فقط، دون إرادة ترتيب الصفات، أو الموصوفات أسلوب عربي معروف جاء في القرآن في مواضع، وهو كثير في كلام العرب.

ومن أمثلته في القرآن العظيم قوله تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (١٦) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} الآية، فلا يخفى أن ثم حرف ترتيب، وأن المرتب به الذي هو كونه من الذين آمنوا لا ترتب له على ما قبله إلَّا مطلق الترتيب الذكري. ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٥٣) ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ} الآية، كما لا يخفى أن الترتيب فيه ذكري.

وقد قدمنا الكلام على هذا في سورة البقرة في الكلام على قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} ومن أمثلة ذلك في كلام العرب قوله:

إن من ساد ثم ساد أبوه ... ثم قد ساد قبل ذلك جده

وقوله تعالى: في هذه الآية الكريمة: {وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (٥)}