وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (٢) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (٣)}. فاتضح بذلك أن المعنى: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١)} إن المنذر الكائن منكم الذي عجبتم من مجيئه لكم منذرًا رسولٌ منذر لكم من الله حقًا، وإن البعث الذي أنكرتموه واستبعدتموه غاية الإِنكار والاستبعاد في قوله تعالى عنكم: {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (٣)} أي ذلك الرجع الذي هو البعث، رجع بعيد في زعمكم، واقع لا محالة، وإنه حق لا شك فيه، كما أشار له في قوله تعالى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (٤)} إذ المعنى أن ما أكلته الأرض من لحومهم، ومزقته من أجسامهم وعظامهم، يعلمه جل وعلا، لا يخفى عليه منه شيء، فهو قادر على رده كما كان.
وإحياء تلك الأجساد البالية، والشعور المتمزقة، والعظام النخرة كما قدمنا موضحًا بالآيات القرآنية، في سورة يس في الكلام على قوله تعالى {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (٥١)}.
وكونه - صلى الله عليه وسلم - مرسل من الله حقًا، يستلزم استلزامًا لا شك فيه، أن القرآن العظيم منزل من الله حقًا وأنه ليس بسحر ولا شعر ولا كهانة ولا أساطير الأولين.
ولذلك أقسم تعالى في مواضع كثيرة، على أن القرآن أيضًا منزل من الله، كقوله تعالى في أول سورة الدخان: {حم (١) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} الآية، وقوله تعالى في أول سورة الزخرف {حم (١) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (٤)}.