للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما المسألة الثانية: وهي نداؤهم إذا أحسوا بأوائل العذاب، فقد ذكر تعالى في آيات من كتابه نوعين من أنواع ذلك النداء:

أحدهما: نداؤهم باعترافهم أنهم كانوا ظالمين، وذلك في قوله تعالى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (١١) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (١٢)} إلى قوله: {قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (١٤) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (١٥) وقوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (٤) فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (٥)}.

الثاني من نوعي النداء المذكور: نداؤهم بالإيمان باللَّه، مستغيثين من ذلك العذاب الذي أحسوا أوائله، كقوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (٨٥)}.

وهذا النوع الأخير هو الأنسب والأليق بالمقام، لدلالة قوله: {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (٣)} عليه.

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (٣)} الذي هو المسألة الثالثة، معناه: ليس الحين الذي نادوا فيه، وهو وقت معاينة العذاب، {حِينَ مَنَاصٍ (٣)}، أي ليس حين فرار ولا ملجأ من ذلك العذاب الذي عاينوه.

فقوله: {وَلَاتَ} هي لا النافية زيدت بعدها تاء التأنيث اللفظية، كما زيدت في ثم، فقيل فيها ثمت، وفي رُبَّ، فقيل فيها ربت.

وأشهر أقوال النحويين فيها، أنها تعمل عمل ليس، وأنها لا تعمل إلا في الحين خاصة، أو في لفظ الحين ونحوه من الأزمنة،