على ذلك الذنب الأعظم، طمس البصيرة، والعمى عن الهدى، جزاء وفاقًا.
فالأكنة والوقر والحجاب المذكورة إنما جعلها الله عليهم مجازاة لكفرهم الأول.
ومن جزاء السيئة تمادي صاحبها في الضلال، وللَّه الحكمة البالغة في ذلك.
والآيات المصرحة بمعنى هذا كثيرة في القرآن، كقوله تعالى:{وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ}.
فقول اليهود في الآية:{قُلُوبُنَا غُلْفٌ} كقول كفار مكة: {قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ}؛ لأن الغُلْف جمع أغلف وهو الذي عليه غلاف، والأكنة جمع كِنان، والغلاف والكنان كلاهما بمعنى الغطاء الساتر.
وقد رد الله علي اليهود دعواهم بـ (بل) التي هي للإِضراب الإِبطالي، في قوله:{بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ}.
فالباء في قوله:(بكفرهم) سببية، وهي دالة على أن سبب الطبع على قلوبهم هو كفرهم، والأكنة والوقر والطبع كلها من باب واحد.
وكقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (٣)}، والفاء في قوله:(فطبع) سببية، أي ثم كفروا فطبع على قلوبهم بصبب ذلك الكفر.
وقد قدمنا مرارًا أنه تقرر في الأصول أن الفاء من حروف التعليل، ومن المعلوم أن العلة الشرعية سبب شرعي.
وكذلك الفاء في قوله: {فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (٣)} فهي سببية أيضًا،