وهذا المعنى أوضحه رده تعالى على اليهود في قوله عنهم:{وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ}.
وقد حاول الفخر الرازي في تفسير هذه الآية الكريمة الجواب على الإِشكال المذكور، فقال: فإن قيل: إنه تعالى حكى هذا المعنى عن الكفار في معرض الذم، وذكر أيضًا ما يقرب منه في معرض الذم، فقال:{وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ}، ثم إنه تعالى ذكر هذه الأشياء الثلاثة بعينها في معنى التقرير والإِثبات في سورة الأنعام، فقال:{وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} فكيف الجمع بينهما؟
قلنا: إنه لم يقل ها هنا: إنهم كَذَبوا في ذلك، إنما الذي ذمهم عليه أنهم قالوا: إنا إذا كنا كذلك، لم يجز تكليفنا وتوجيه الأمر والنهي علينا.
وهذا الثاني باطل، أما الأول: فلأنه ليس في الآية ما يدل على أنهم كذبوا فيه. اهـ منه. والأظهر هو ما ذكرنا.
قال صاحب الكشاف في تفسير قوله تعالى:{وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ}:
فإن قلت: هل لزيادة (من) في قوله: (ومن بيننا وبينك حجاب) فائدة؟ قلت: نعم؛ لأنه لو قيل: وبيننا وبينك حجاب، لكان المعنى أن حجابًا حاصل وسط الجهتين.
وأما بزيادة (مِنْ) فالمعنى: أن حجابًا ابتدأ منا وابتدأ منك؛ فالمسافة المتوسطة لجهتنا وجهتك مستوعَبة بالحجاب، لا فراغ فيها. انتهى منه.