وكل هذا خلاف التحقيق، والصواب إن شاء الله هو ما ذكرنا، والسياق يدل عليه، واختاره غير واحد.
وأما قوله تعالى:{فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ} فإنه لا يخالف ما ذكرنا؛ لأن معنى دمدم عليهم ربهم بذنبهم، أي أطلق عليهم العذاب وألبسهم إياه، بسبب ذنبهم.
قال الزمخشري في معنى دمدم: وهو من تكرير قولهم: ناقة مدمومة، إذا ألبسها الشحم.
وأما إطلاق العذاب عليه في سورة الشعراء فواضح، فاتضح رجوع معنى الآيات المذكورة إلى شيء واحد.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{الْعَذَابِ الْهُونِ} من النعت بالمصدر؛ لأن الهون مصدر بمعنى الهوان، والنعت بالمصدر أسلوب عربي معروف، أشار إليه في الخلاصة بقوله:
ونعتوا بمصدر كثيرا ... فالتزموا الإِفراد والتذكيرا
وهو موجه بأحد أمرين:
أحدهما: أن يكون على حذف مضاف. أي العذاب ذي الهون.
والثاني: أنه على سبيل المبالغة، فكأن العذاب لشدة اتصافه بالهوان اللاحق بمن وقع عليه، صار كأنه نفس الهوان، كما هو معروف في محله.
وقوله تعالى: {بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٢٩)} كالتوكيد في المعنى لقوله: {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}؛ لأن كلا منهما سبب لأخذ الصاعقة إياهم، فالفاء في قوله:(فأخذتهم) سببية، والباء في قوله:(بما كانوا) سببية، والعلم عند الله تعالى.