يظنون أنهم مهتدون، وأن الكافر يوم القيامة يتمنى أن يكون بينه وبين قرينه من الشياطين بعد عظيم، وأنه يذمه ذلك اليوم، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨)}.
فترتيبه قوله:(نقيّض له شيطانًا)، على قوله:(ومن يعش عن ذكر الرحمن) ترتيب الجزاء على الشرط، يدل على أن سبب تقييضه له هو غفلته عن ذكر الرحمن.
ونظير ذلك قوله تعالى: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (٤)}؛ لأن الوسواس هو كثير الوسوسة، ليضل بها الناس، والخناس هو كثير التأخر والرجوع عن إضلال الناس، من قولهم: خَنَس، بالفتح، يخنُس، بالضم، إذا تأخر.
فهو وسواس عند الغفلة عن ذكر الرحمن، خناس عند ذكر الرحمن، كما دلت عليه آية الزخرف المذكورة، ودل عليه قوله تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (١٠٠)}؛ لأن الذين يتولونه والذين هم به مشركون، غافلون عن ذكر الرحمن، وبسبب ذلك قيضه الله لهم فأضلهم.
ومن الآيات الدالة على تقييض الشياطين للكفار ليضلوهم، قوله تعالى: {أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (٨٣)}، وقد أوضحنا الآيات الدالة على ذلك في سورة مريم في الكلام على قوله تعالى:{أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ} الآية، وبينا هناك أقوال أهل العلم في معنى (تؤزهم أزًا).