وبينا أيضًا هناك أن من الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى:{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ} أي استكثرتم من إضلال الإِنس في دار الدنيا، وقوله: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (٢٠٢)}، ومنها أيضًا قوله تعالى:{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} إلى قوله: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا}، إلى غير ذلك من الآيات.
وقد دل قوله في آية الزخرف: {فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨)} على أن قرناء الشياطين المذكورين في آية فصلت وآية الزخرف وغيرهما، جديرون بالذم الشديد، وقد صرح تعالى بذلك في سورة النساء في قوله: {وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (٣٨)}؛ لأن قوله: {فَسَاءَ قَرِينًا (٣٨)} بمعنى {فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨)}؛ لأن كلا من ساء وبئس فعل جامد لإِنشاء الذم، كما ذكره في الخلاصة بقوله:
واجعل كبئس ساء واجعل فَعُلا ... من ذي ثلاثة كنعم مسجلا
واعلم أن الله تعالى بين أن الكفار الذين أضلهم قرناؤهم من الشياطين يظنون أنهم على هدى، فهم يحسبون أشد الضلال أحسن الهدى، كما قال تعالى عنهم: {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧)}، وقال تعالى: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٠)}.
وبين تعالى أنهم بسبب ذلك الظن الفاسد هم أخسر الناس أعمالًا، في قوله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (١٠٤)}.
وقوله تعالى في آية الزخرف:{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ} من