وذلك أن الشيطان لما أوحى إلى أوليائه، فقال لهم في وحيه: سلوا محمدًا عن الشاة تصبح ميتة من هو الذي قتلها؟ فأجابوهم أن الله هو الذي قتلها.
فقالوا: الميتة إذًا ذبيحة الله، وما ذبحه الله كيف تقولون إنه حرام، مع أنكم تقولون: إنما ذبحتموه بأيديكم حلال، فأنتم إذًا أحسن من الله وأحَلُّ ذبيحة؟!
فأنزل الله - بإجماع من يعتد به من أهل العلم - قوله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيهِ} يعني الميتة، أي وإن زعم الكفار أن الله ذكاها بيده الكريمة بسكين من ذهب، {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} والضمير عائد إلى الأكل المفهوم من قوله: {وَلَا تَأْكُلُوا}، وقوله:{لَفِسْقٌ} أي خروج عن طاعة الله، واتباع لتشريع الشيطان، {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} أي بقولهم: ما ذبحتموه حلال وما ذبحه الله حرام، فأنتم إذًا أحسن من الله، وأَحَلُّ تذكية.
ثم بين الفتوى السماوية من رب العالمين، في الحكم بين الفريقين في قوله تعالى: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (١٢١)}.
فهي فتوى سماوية من الخالق جل وعلا صرح فيها بأن متبع تشريع الشيطان المخالف لتشريع الرحمن مشرك بالله.
وهذه الآية الكريمة مثل بها بعض علماء العربية لحذف اللام الموطئة للقسم، والدليل على اللام الموطئة المحذوفة عدم اقتران جملة (إنكم لمشركون) بالفاء؛ لأنه لو كان شرطًا لم يسبقه قسم لقيل: فإنكم لمشركون، على حد قوله في الخلاصة:
واقرن بفا حتمًا جوابًا لو جُعِل ... شرطًا لإِنْ أو غيرها لم ينجعل