إلا يَخْرُصُونَ (٢٠)} أي يكذبون، وقال في آية الأنعام: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إلا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إلا تَخْرُصُونَ (١٤٨)} وقال في آية النحل: {كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إلا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (٣٥)}.
ومعلوم أن الذي فعله الذين من قبلهم، هو الكفر بالله والكذب على الله، في جعل الشركاء له وأنه حرم ما لم يحرمه.
والجواب عن هذا: أن مراد الكفار بقولهم: {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ}، وقولهم:{لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} مرادهم به أن الله لما كان قادرًا على منعهم من الشرك وهدايتهم إلى الإِيمان، ولم يمنعهم من الشرك، دل ذلك على أنه راض منهم بالشرك في زعمهم.
قالوا: لأنه لو لم يكن راضيًا به، لصرفنا عنه؛ فتكذيب الله لهم في الآيات المذكورة منصب على دعواهم أنه راض به، والله جل وعلا يكذب هذه الدعوى في الآيات المذكورة، وفي قوله:{وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}.
فالكفار زعموا أن الإِرادة الكونية القدرية تستلزم الرضى، وهو زعم باطل، وهو الذي كذبهم الله فيه في الآيات المذكورة.
وقد أشار تعالى إلى هذه الآيات المذكورة، حيث قال في آية الزخرف: {أَمْ آتَينَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (٢١)} أي آتيناهم كتابًا يدل على أنا راضون منهم بذلك الكفر، ثم أضرب عن هذا إضراب إبطال مبينًا أن مستندهم في تلك الدعوى الكاذبة هو تقليد آبائهم التقليد الأعمى، وذلك في قوله:{بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} أي شريعة وملة وهي الكفر وعبادة الأوثان {وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (٢٢)}.