للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله تعالى هنا: {وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٣٢)} يعني أن النبوة، والاهتداء بهدي الأنبياء، وما يناله المهتدون يوم القيامة، خير مما يجمعه الناس في الدنيا من حطامها.

وقد أشار الله تعالى إلى هذا المعنى في غير هذا الموضع، كقوله في سورة يونس: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٥٨) وقوله تعالى في آل عمران: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (١٥٧)}.

مسألة

دلت هذه الآيات الكريمة المذكورة هنا، كقوله تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَينَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ} الآية، وقوله: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} الآية، ونحو ذلك من الآيات، على أن تفاوت الناس في الأرزاق والحظوظ سنة من سنن الله السماوية الكونية القدرية، لا يستطيع أحد من أهل الأرض البتة تبديلها ولا تحويلها بوجه من الوجوه، {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْويلًا (٤٣)}.

وبذلك تحقق أن ما يتذرع به الآن الملاحدة المنكرون لوجود الله، ولجميع النبوات والرسائل السماوية، إلى ابتزاز ثروات الناس، ونزع ملكهم الخاص عن أملاكهم، بدعوى المساواة بين الناس في معايشهم، أمر باطل لا يمكن بحال من الأحوال.

مع أنهم لا يقصدون ذلك الذي يزعمون، وإنما يقصدون استئثارهم بأملاك جميع الناس، ليتمتعوا بها ويتصرفوا فيها كيف شاؤوا، تحت ستار كثير من أنواع الكذب والغرور والخداع، كما