في قوله تعالى:{وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ}، وقوله تعالى في المدثر: {بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (٥٢)}، أي تنزل عليه صحف بالوحي من السماء، كما قاله مجاهد وغير واحد، وهو ظاهر القرآن. وفي الآية قول آخر معروف.
وأما إنكاره تعالى عليهم اقتراح إنزال الوحي على غير محمد - صلى الله عليه وسلم - ، الذي دلت عليه همزة الإِنكار المتضمنة مع الإِنكار لتجهيلهم وتسفيه عقولهم، في قوله:{أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ}، فقد أشار تعالى إليه مع الوعيد الشديد في الأنعام؛ لأنه تعالى لما قال:{وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ} بقوله، ردًّا عليهم وإنكارًا لمقالتهم:{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيثُ يَجْعَلُ رِسَالتَهُ}، ثم أوعدهم على ذلك بقوله: {سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (١٢٤)}.
وأما كونه تعالى هو الذي تولى قسمة معيشتهم بينهم، فقد جاء في مواضع أخر، كقوله تعالى:{وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ}، وقوله تعالى: {انْظُرْ كَيفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (٢١)}، وقوله تعالى:{اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ}، وقوله تعالى: {وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (٢٧)}، وقوله تعالى:{إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} الآية.
وقد أوضح تعالى حكمة هذا التفاضل والتفاوت في الأرزاق والحظوظ والقوة والضعف، ونحو ذلك، بقوله هنا:{لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا}، كما تقدم.