للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبهذين الأمرين المذكورين جمع المفسرون بين صيغة الجمع في قوله: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ} وقوله: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا} وبين صيغة الإِفراد في قوله: {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (٢٩)}.

وقال بعض العلماء: الفاعل المحذوف في قوله: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا} هو عامة قريش الذين قالوا - أي كفار قريش (١) - لما سمعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر عيسى، وسمعوا قول الله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ} قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - : ما تريد بذكر عيسى إلا أن نعبدك كما عبد النصارى عيسى.

وعلى هذا فالمعنى أنهم ضربوا عيسى مثلًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، في عبادة الناس لكل منهما، زاعمين أنه يريد أن يعبد كما عبد عيسى.

وعلى هذا القول فمعنى قوله: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إلا جَدَلًا}، أي ما ضربوا لك هذا المثل إلا لأجل الخصومة بالباطل، مع أنهم يعلمون أنك لا ترضى أن تعبد بوجه من الوجوه.

وقوله تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَينَنَا وَبَينَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إلا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} الآية، وإن كان من القرآن المدني النازل بعد الهجرة، فمعناه يكرره عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - كثيرًا قبل الهجرة كما هو معلوم، وكذلك قوله: {وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (٨٠)}.

ولا شك أن كفار قريش متيقنون في جميع المدة التي أقامها - صلى الله عليه وسلم -


(١) العبارة في المطبوعة: "والذين قالوا إن كفار قريش ...".