ونعتوا بمصدر كثيرا ... فالتزموا الإِفراد والتذكيرا
أما دلالة القرآن الكريم على هذا القول الصحيح، ففي قوله تعالى في سورة النساء:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} أي ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى، وذلك صريح في أن عيسى حي وقت نزول آية النساء هذه، وأنه لا يموت حتى يؤمن به أهل الكتاب، ومعلوم أنهم لا يؤمنون به إلا بعد نزوله إلى الأرض.
فإن قيل: قد ذهبت جماعة من المفسرين، من الصحابة فمن بعدهم، إلى أن الضمير في قوله:(قبل موته) راجع إلى الكتابي، أي إلا ليؤمنن به الكتابي قبل موت الكتابي.
فالجواب: أن كون الضمير راجعًا إلى عيسى، يجب المصير إليه، دون القول الآخر؛ لأنه أرجح منه من أربعة أوجه:
الأول: أنه هو ظاهر القرآن المتبادر منه، وعليه تنسجم الضمائر بعضها مع بعض، والقول الآخر بخلاف ذلك.
وإيضاح هذا أن الله تعالى قال:{وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ}، ثم قال تعالى:{وَمَا قَتَلُوهُ} أي عيسى، {وَمَا صَلَبُوهُ} أي عيسى، {وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} أي عيسى، {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ} أي عيسى، {لَفِي شَكٍّ مِنْهُ} أي عيسى، {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} أي عيسى، {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (١٥٧)} أي عيسى، {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ} أي عيسى، {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} أي عيسى، {قَبْلَ مَوْتِهِ} أي عيسى، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيهِمْ شَهِيدًا (١٥٩)} أي يكون هو، أي عيسى شهيدًا.