للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثاني منهما: أن ظاهر الآية أنه توفِّي رفع وقبض للروح والجسد، لا توفي موت.

وإيضاح ذلك أن مقابلته لذلك المتوفي بالديمومة فيهم، في قوله: {وَكُنْتُ عَلَيهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيتَنِي} الآية، تدل على ذلك؛ لأنه لو كان تَوَفِّي موت، لقال: ما دمت حيًّا فلما توفيتني، لأن الذي يقابل بالموت هو الحياة، كما في قوله: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (٣١)}، أما المتوفي المقابَل بالديمومة فيهم، فالظاهر أنه توفي انتقال عنهم إلى موضع آخر.

وغاية ما في ذلك هو حمل اللفظ على حقيقته اللغوية مع قرينة صارفة عن قصد العرفية، وهذا لا إشكال فيه.

وأما الوجه الرابع، من الأوجه المذكورة سابقًا: أن الذين زعموا أن عيسى قد مات، قالوا: إنه لا سبب لذلك الموت إلا أن اليهود قتلوه وصلبوه، فإذا تحقق نفي هذا السبب وقطعهم أنه لم يمت بسبب غيره، تحققنا أنه لم يمت أصلًا، وذلك السبب الذي زعموه منفي يقينًا بلا شك؛ لأن الله جل وعلا قال: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ}، وقال تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (١٥٧) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيهِ}.

وضمير (رفعه) ظاهر في الجسم والروح معًا كما لا يخفى.

وقد بين الله جل وعلا مستند اليهود في اعتقادهم أنهم قتلوه، بأن الله ألقى شبهه على إنسان آخر فصار من يراه يعتقد اعتقادًا جازمًا أنه عيسى، فرآه اليهود لما أجمعوا على قتل عيسى، فاعتقدوا لأجل ذلك الشبه الذي أُلْقِي عليه اعتقادًا جازمًا أنه عيسى، فقتلوه.