فهم يعتقدون صدقهم في أنهم قتلوه وصدبوه، ولكن العليم اللطيف الخبير، أوحى إلى نبيه في الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أنهم لم يقتلوه ولم يصلبوه.
فمحمد - صلى الله عليه وسلم - والذين أتبعوه عندهم علم من الله بأمر عيسى، لم يكن عند اليهود ولا النصارى، كما أوضحه تعالى بقوله: {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (١٥٧) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيهِ}.
والحاصل أن القرآن العظيم على التفسير الصحيح والسنة المتواترة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كلاهما دال على أن عيسى حي، وأنه سينزل في آخر الزمان، وأن نزوله من علامات الساعة، وأن معتمد الذين زعموا أنهم قتلوه ومن تبعهم هو إلقاء شبهه على غيره، واعتقادهم الكاذب أن ذلك المقتول الذي شبه بعيسى هو عيسى.
وقد عرفت دلالة الوحي على بطلان ذلك، وأن قوله {مُتَوَفِّيكَ} لا يدل على موته فعلًا، وقد رأيت توجيه ذلك من أربعة أوجه، وأنه على المقرر في الأصول في المذاهب الثلاثة التي ذكرنا عنهم لا إشكال في أنه لم يمت فعلًا:
أما على القول بتقديم الحقيقة اللغوية فالأمر واضح؛ لأن الآية على ذلك لا تدل على الموت.
وأما على القول بالإِجمال، فالمقرر في الأصول أن المجمل لا يحمل على واحد من معنييه ولا معانيه، بل يطلب بيان المراد منه بدليل منفصل، وقد دل الكتاب هنا والسنة المتواترة على أنه لم يمت وأنه حي.