للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال مقيده - عفا الله عنه -: هذا الذي ذكرنا هو حاصل كلام العلماء في تحديد مسافة القصر، والظاهر أنه ليس في تحديدها نص صريح، وقد اختلف فيها على نحو من عشرين قولا، وما رواه البيهقي، والدارقطني، والطبراني عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ياأهل مكة لا تقصروا في أقل من أربعة برد" ضعيف؛ لأن في إسناده عبد الوهاب بن مجاهد، وهو متروك، وكذبه الثوري. وقال الأزدي: لا تحل الرواية عنه، وراويه عنه إسماعيل بن عياش، وروايته عن غير الشاميين ضعيفة، وعبد الوهاب المذكور حجازي لا شامي، والصحيح في هذا الحديث أنه موقوف على ابن عباس، رواه عنه الشافعي بإسناد صحيح، ورواه عنه مالك في الموطأ بلاغا، وقد قدمناه.

والظاهر أن الاختلاف في تحديد المسافة من نوع الاختلاف في تحقيق المناط، فكل ما كان يطلق عليه إسم السفر في لغة العرب يجوز القصر فيه؛ لأنه ظاهر النصوص، ولم يصرف عنه صارف من نقل صحيح، ومطلق الخروج من البلد لا يسمى سفرا، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يذهب إلى قباء، وإلى أحد ولم يقصر الصلاة، والحديثان اللذان قدمنا عن مسلم محتملان، وحديث سعيد بن منصور المتقدم لا نعلم أصحيح هو أم لا. فإن كان صحيحا كان نصا قويا في قصر الصلاة في المسافة القصيرة والطويلة، وقصر أهل مكة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع دليل عند بعض العلماء على القصر في المسافة غير الطويلة، وبعضهم يقول: القصر في مزدلفة، ومنى، وعرفات من مناسك الحج، والله تعالى أعلم.