ومعلوم أن أباه مات وهو حمل، وأمة ماتت وهو في صباه، فلا يمكن أن يكون المراد: إن يبلغ الكبر عندك هما أو أحدهما، والواقع أنهما قد ماتا قبل ذلك بأزمان.
وبذلك يتحقق أن المراد بالخطاب غيره من أمته الذي يمكن إدراك والديه أو أحدهما الكبر عنده.
وقد قدمنا أن مثل هذا أسلوب عربي معروف، وأوردنا شاهدًا لذلك رجز سهل بن مالك الفزاري في قوله:
يا أخت خير البدو والحضارة ... كيف ترين في فتى فزارة
أصبح يهوى حرة معطارة ... إياك أعني واسمعي يا جارة
وقد بسطنا القصة هناك، وبينا أن قول من قال: إن الخطاب في قوله تعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا} الآية، لكل من يصح خطابه من أمته - صلى الله عليه وسلم - لا له هو نفسه، باطل، بدليل قوله تعالى بعده في سياق الآيات:{ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ} الآية.
والحاصل أن آية {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيكَ} الآية، لا ينقض بها الضابط الذي ذكرنا؛ لأنها كقوله:{لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}، {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}، {فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١٤٧)}، {وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ}، {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (٢٤)}، إلى غير ذلك من الآيات.
ومعلوم أنه هو - صلى الله عليه وسلم - لا يفعل شيئًا من ذلك البتة، ولكنه يؤمر وينهى ليشرع لأمته على لسانه.
وبذلك تعلم اطراد الضابط الذي ذكرنا في لفظة (لو)، ولفظة (إن)، وأنه لا ينتقض بهذه الآية.