فقوله:{وَلِمَنْ خَافَ}، يعم كل خائف مقام ربه، ثم صرح بشمول ذلك للجن والإِنس معًا بقوله: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٧)}.
فبين أن الوعد بالجنتين لمن خاف مقام ربه من آلائه، أي نعمه على الإِنس والجن، فلا تعارض بين الآيتين؛ لأن إحداهما بينت ما لم تعرض له الأخرى.
ولو سلمنا أن قوله: {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (٣١)} يفهم منه عدم دخولهم الجنة، فإنه إنما يدل عليه بالمفهوم، وقوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (٤٦) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٧)} يدل على دخولهم الجنة بعموم المنطوق.
والمنطوق مقدم على المفهوم كما تقرر في الأصول.
ولا يخفى أنا إذا أردنا تحقيق هذا المفهوم المدعى وجدناه معدومًا من أصله؛ للإِجماع على أن قسمة المفهوم ثنائية، إما أن يكون مفهوم موافقة أو مخالفة ولا ثالث.
ولا يدخل هذا المفهوم المدعى في شيء من أقسام المفهومين.
أما عدم دخوله في مفهوم الموافقة بقسميه فواضح.
وأما عدم دخوله في شيء من أنواع مفهوم المخالفة؛ فلأن عدم دخوله في مفهوم الحصر أو الغاية أو العدد أو الصفة أو الظرف، واضح.
فلم يبق من أنواع مفهوم المخالفة يتوهم دخوله فيه إلا مفهوم الشرط أو اللقب، وليس داخلًا في واحد منهما.