وقد قدمنا في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى:{فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ} الآية، أن اللفظ إذا دار بين التأكيد والتأسيس وجب حمله على التأسيس، إلا بدليل يجب الرجوع إليه.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {أَضَلَّ أَعْمَالهُمْ (١)} أي أبطل ثوابها، فما عمله الكافر من حسن في الدنيا، كقرى الضيف، وبر الوالدين، وحمى الجار، وصلة الرحم، والتنفيس عن المكروب، يبطل يوم القيامة، ويضمحل ويكون لا أثر له، كما قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (٢٣)}، وهذا هو الصواب في معنى الآية.
وقيل:(أضل أعمالهم) أي أبطل كيدهم، الذي أرادوا أن يكيدوا به النبي - صلى الله عليه وسلم - وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} أي غفر لهم ذنوبهم وتجاوز لهم عن أعمالهم السيئة {وَأَصْلَحَ بَالهُمْ (٢)} أي أصلح لهم شأنهم وحالهم إصلاحًا لا فساد معه، وما ذكره جل وعلا هنا في أول هذه السورة الكريمة، من أنه يبطل أعمال الكافرين، ويُبقي أعمال المؤمنين، جاء موضحًا في آيات كثيرة، كقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيهِمْ أَعْمَالهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٦)}، وقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (٢٠)}، وقوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (٢٣) أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (٢٤)}.