وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{وَهُوَ الْحَقُّ} جملة اعتراضية تتضمن شهادة الله بأن هذا القرآن المنزل على هذا النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - هو الحق من الله، كما قال تعالى:{وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ}، وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (٥٠) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (٥١)}، وقال تعالى:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} الآية، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ} الآية، والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة.
وقوله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ} أي ذلك المذكور من إضلال أعمال الكفار، أي إبطالها واضمحلالها، وبقاء ثواب أعمال المؤمنين، وتكفير سيئاتهم وإصلاح حالهم، كله واقع بسبب أن الكفار اتبعوا الباطل، ومن اتبع الباطل فعمله باطل.
والزائل المضمحل تسميه العرب باطلًا، وضده الحق.
وبسبب أن الذين آمنوا اتبعوا الحق، ومتبع الحق أعماله حق، فهي ثابتة باقية، لا زائلة مضمحلة.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة، من أن اختلاف الأعمال يستلزم اختلاف الثواب، لا يتوهم استواءهما إلا الكافر الجاهل الذي يستوجب الإِنكار عليه، جاء موضحًا في آيات آخر، كقوله تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) مَا لَكُمْ كَيفَ تَحْكُمُونَ (٣٦)}، وقوله تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ