ومعلوم أن كل من لم يشتغل بتدبر آيات القرآن العظيم، أي تصفحها وتفهمها، وإدراك معانيها، والعمل بها؛ فإنه معرض عنها، غير متدبر لها، فيستحق الإِنكار والتوبيخ المذكور في الآيات، إن كان الله أعطاه فهمًا يقدر به على التدبر، وقد شكا النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ربه من هجر قومه هذا القرآن، كما قال تعالى: {وَقَال الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (٣٠)}.
وهذه الآيات المذكورة تدل على أن تدبر القرآن وتفهمه وتعلمه والعمل به، أمر لا بدَّ منه للمسلمين.
وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن المشتغلين بذلك هم خير الناس، كما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال:"خيركم من تعلم القرآن وعلمه"، وقال تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (٧٩)}.
فإعراض كثير من الأقطار عن النظر في كتاب الله وتفهمه والعمل به وبالسنة الثابتة المبينة له، من أعظم المناكر وأشنعها، وإن ظن فاعلوه أنهم على هدى.
ولا يخفى على عاقل أن القول بمنع العمل بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، اكتفاء عنهما بالمذاهب المدونة، وانتفاءِ الحاجة إلى تعلمهما لوجود ما يكفي عنهما من مذاهب الأئمة، من أعظم الباطل، وهو مخالف لكتاب الله وسنة رسوله وإجماع الصحابة، ومخالف لأقوال الأئمة الأربعة.