وأول من زعم أنه لا يجوز العمل بالعام حتى يبحث عن المخصص فلا يوجد ونحو ذلك، أبو العباس بن سريج، وتبعه جماعات من المتأخرين، حتى حكوا على ذلك الإِجماع حكاية لا أساس لها.
وقد أوضح ابن القاسم العبادي في "الآيات البينات" غلطهم في ذلك، في كلامه على شرح المحلى لقول ابن السبكي في "جمع الجوامع: ويتمسك بالعام في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل البحث عن المخصص، وكذا بعد الوفاة، خلافًا لابن سريج اهـ.
وعلى كل حال فظواهر النصوص، من عموم وإطلاق، ونحو ذلك، لا يجوز تركها إلا لدليل يجب الرجوع إليه، من مخصص أو مقيد، لا لمجرد مطلق الاحتمال، كما هو معلوم في محله.
فادعاء كثير من المتأخرين أنه يجب ترك العمل به حتى يبحث عن المخصص والمقيد مثلًا، خلاف التحقيق.
الوجه الثاني: أن غير المجتهد إذا تعلم بعض آيات القرآن، أو بعض أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ليعمل بها، تعلم ذلك النص العام أو المطلق، وتعلم معه مخصصه ومقيده إن كان مخصصًا أو مقيدًا، وتعلم ناسخه إن كان منسوخًا، وتعلم ذلك سهل جدًّا بسؤال العلماء العارفين به، ومراجعة كتب التفسير والحديث المعتد بها في ذلك، والصحابة كانوا في العصر الأول يتعلم أحدهم آية فيعمل بها، وحديثًا فيعمل به، ولا يمتنع من العمل بذلك حتى يحصل رتبة الاجتهاد المطلق، وربما عمل الإِنسان بما علم فعلمه ما لم يكن يعلم، كما يشير له قوله تعالى:{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ}، وقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} على القول بأن