فتخصيص جميع تلك النصوص بخصوص المجتهدين، وتحريم الانتفاع بهدى الكتاب والسنة على غيرهم تحريمًا باتًا، يحتاج إلى دليل من كتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يصح تخصيص تلك النصوص بآراء جماعات من المتأخرين المقرين على أنفسهم بأنهم من المقلدين.
ومعلوم أن المقلد الصرف لا يجوز عده من العلماء ولا من ورثة الأنبياء، كما سترى إيضاحه إن شاء الله.
وقال صاحب "مراقي السعود" في "نشر البنود" في شرحه لبيته المذكور آنفًا، ما نصه: يعني أن غير المجتهد يحظل له، أي يمنع أن يعمل بمعنى نص من كتاب أو سنة وإن صح سندها، لاحتمال عوارضه، من نسخ، وتقييد، وتخصيص، وغير ذلك من العوارض التي لا يضبطها إلا المجتهد، فلا يخلصه من الله إلا تقليد مجتهد. قاله القرافي. اهـ محل الغرض منه بلفظه.
وبه تعلم أنه لا مستند له، ولا للقرافي الذي تبعه، في منع جميع المسلمين غير المجتهدين من العمل بكتاب الله وسنة رسوله، إلا مطلق احتمال العوارض التي تعرض لنصوص الكتاب والسنة، من نسخ أو تخصيص أو تقييد ونحو ذلك، وهو مردود من وجهين:
الأول: أن الأصل السلامة من النسخ حتى يثبت ورود الناسخ، والعام ظاهر في العموم حتى يثبت ورود المخصص، والمطلق ظاهر في الإِطلاق حتى يثبت ورود المقيد، والنص يجب العمل به حتى يثبت النسخ بدليل شرعي، والظاهر يجب العمل به عمومًا كان أو إطلاقًا أو غيرهما حتى يرد دليل صارف عنه إلى المحتمل المرجوح، كما هو معروف في محله.