يحدث عن الليث بن سعد أنه قال: أحصيت على مالك بن أنس سبعين مسألة كلها مخالفة لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، مما قال مالك فيها برأيه، قال: ولقد كتبت إليه في ذلك. انتهى محل الغرض منه.
ومعلوم أن مثل كلام الليث هذا عن مالك لا أثر له؛ لأنه لم يعين المسائل المذكورة ولا أدلتها.
فيجوز أن يكون الصواب فيها مع مالك، لأدلة خفيت على الليث، فليس خفاؤها على مالك بأولى من خفائها على الليث.
ولا شك أن مذهب مالك المدون، فيه فروع تخالف بعض نصوص الوحي، والظاهر أن بعضها لم يبلغه رحمه الله، ولو بلغه لعمل به، وأن بعضها بلغه وترك العمل به لشيء آخر يعتقده دليلًا أقوى منه.
ومن أمثلة ما لم يبلغه النص فيه: صيام ست من شوال بعد صوم رمضان.
قال رحمه الله في الموطأ ما نصه: إني لم أر أحدًا من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف، وأن أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته، وأن يلحق برمضان ما ليس منه أهل الجهالة والجفاء، لو رأوا في ذلك رخصة عند أهل العلم، ورأوهم يعملون ذلك. اهـ منه بلفظه.
وفيه تصريح مالك رحمه الله بأنه لم يبلغه صيام ستة من شوال عن أحد من السلف، وهو صريح في أنه لم يبلغه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ولا شك أنه لو بلغه الترغيب فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لكان يصومها ويأمر بصومها، فضلًا عن أن يقول بكراهتها.