وهذا هو الحق الذي لا شك فيه؛ لأن مالكًا من أورع العلماء وأكثر الناس اتباعا لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلا يدعها وهو عالم بها.
وقوله في هذا الحديث: إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم. أي كأن ينذر أحد صوم اليوم الذي يشفي الله فيه مريضه، فوافق ذلك يوم الجمعة؛ لأن صومه له لأجل النذر، الذي لم يقصد بأصله تعيين يوم الجمعة.
وإنما النهي فيمن قصد بصومه نفس يوم الجمعة دون غيره.
والغرض عندنا إنما هو المثال لبعض الأحكام التي لم تبلغ مالكًا فيها السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو بلغته لعمل بها.
ومعلوم أن هنالك بعضًا من النصوص ترك مالك العمل به مع أنه بلغه؛ لأنه يعتقد أن ما ترك النص من أجله أرجح من النص.
وهذا يحتاج فيه إلى مناقشات دقيقة بين الأدلة، فقد يكون الحق في ذلك مع هذا الإِمام تارة ومع غيره أخرى.
فقد ترك مالك العمل بحديث خيار المجلس مع أنه حديث متفق عليه، وقد بلغ مالكًا.
وقد حلف عبد الحميد الصائغ من المالكية بالمشي إلى مكة على أنه لا يفتي بثلاث قالها مالك.
ومراده بالثلاث المذكورة: عدم القول بخيار المجلس هذا مع صحة الحديث فيه، وجنسية القمح والشعير مع صحة الأحاديث الدالة على أنهما جنسان، والتدمية البيضاء.