منها ما هو في آيات من كتاب الله، كقوله تعالى:{وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ}، وقوله:{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}، وقوله:{إلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}.
ومنها ما هو بغير ذلك.
وليس غرضنا هنا بسط الحجج ومناقشتها، وإنما غرضنا المثال لأن الإِمام قد يترك نصًّا بلغه لاعتقاده أن ما ترك من أجله النص أرجح من نفس النص، وأنه يجب على المسلم مراعاة المخرج والنجاة لنفسه، فينظر في الأدلة، ويعمل بأقواها وأقربها إلى رضي الله.
كما حلف عبد الحميد الصائغ بالمشي إلى مكة، لا يفتي بقول مالك في هذا، مع أنه عالم مالكي؛ لأنه رأى الأدلة واضحة وضوحًا لا ليس فيه في أن المراد بالتفرق التفرق بالأبدان.
وقد صرح بذلك جماعة من الصحابة، منهم ابن عمر راوي الحديث، ولم يعلم لهم مخالف من الصحابة.
ولا شك أن المنصف إذا تأمل تأملًا صادقًا خاليًا من التعصب، عرف أن الحق هو ثبوت خيار المجلس، وأن المراد بالتفرق التفرق في الأبدان لا بالكلام؛ لأن معنى التفرق بالكلام هو حصول الإِيجاب من البائع والقبول من المشتري.
وكل عاقل يعلم أن الخيار حاصل لكل من البائع والمشتري ضرورة قبل حصول الإِيجاب والقبول، فحمل كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - على هذا، حمل له على تحصيل حاصل، وهو كما ترى.
مع أن حمل الكلام على هذا المعنى يستلزم أن المراد بالمتبايعين في الحديث المتساومان؛ لأنه لا يصدق عليهما اسم المتبايعين حقيقة إلا بعد حصول الإِيجاب والقبول.