وحمل المتبايعين في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - على المتساومين اللذين لم ينعقد بينهما بيع، خلاف الظاهر أيضًا كما ترى.
وأما كون القمح والشعير جنسًا واحدًا، فقد استدل له مالك ببعض الآثار التي ليس فيها شيء مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
قال في الموطأ: إنه بلغه أن سليمان بن يسار قال: فَنِيَ علف حمار سعد بن أبي وقاص، فقال لغلامه: خذ من حنطة أهلك فابتع بها شعيرًا، ولا تأخذ إلا مثله. اهـ منه بلفظه.
وفي الموطأ أيضًا عن نافع عن سليمان بن يسار أنه أخبره أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث فني علف دابته، فقال لغلامه: خذ من حنطة أهلك فابتع بها شعيرًا، ولا تأخذ إلا مثله. اهـ منه بلفظه.
وفي الموطأ أيضًا: أن مالكًا بلغه عن القاسم بن محمد بن معيقيب الدوسي مثل ذلك. قال مالك: وهو الأمر عندنا. اهـ منه بلفظه.
فهذه الآثار هي عمدة مالك رحمه الله في كون القمح والشعير جنسًا واحدًا، وعضد ذلك بتقارب منفعتهما.
والتحقيق الذي لا شك فيه أن القمح والشعير جنسان، كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا تصح معارضتها البتة بمثل هذه الآثار المروية عمن ذكر.
وقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"التمر بالتمر، والحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، والملح بالملح، مثلًا بمثل، يدًا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى إلا ما اختلفت ألوانه" انتهى منه بلفظه.