اعلم أن العلماء اختلفوا في عمل الجائز الذي لا ثواب ولا عقاب عليه، هل تكتبه الحفظة عليه أو لا؟ فقال بعضهم: يكتب عليه كل شيء حتى الأنين في المرض، وهذا هو ظاهر قوله: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلا لَدَيهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨)}؛ لأنه قوله:(من قول) نكرة في سياق النفي زيدت قبلها لفظة مِنْ، فهي نص صريح في العموم.
وقال بعض العلماء: لا يكتب من الأعمال إلا ما فيه ثواب أو عقاب.
وكلهم مجمعون على أنه لا جزاء إلا فيما فيه ثواب أو عقاب، فالذين يقولون: لا يكتب إلا ما فيه ثواب أو عقاب، والذين يقولون: يكتب الجميع، متفقون على إسقاط ما لا ثواب فيه ولا عقاب، إلا أن بعضهم يقولون: لا يكتب أصلًا، وبعضهم يقولون: يكتب أولًا ثم يمحى. وزعم بعضهم أن محو ذلك، وإثبات ما فيه ثواب أو عقاب، هو معنى قوله تعالى:{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} الآية.
والذين قالوا: لا يكتب ما لا جزاء فيه، قالوا: إن في الآية نعتًا محذوفًا سوَّغ حذفه العلم به؛ لأن كل الناس يعلمون أن الجائز لا ثواب فيه ولا عقاب، وتقدير النعت المحذوف: ما يلفظ من قول مستوجب للجزاء.
وقد قدمنا أن حذف النعت إذا دل عليه في أسلوب عربي معروف، وقدمنا أن منه قوله تعالى: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (٧٩)} أي كل سفينة صحيحة لا عيب فيها، بدليل قوله:{وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ}، وقوله تعالى:{وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إلا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ} الآية، أي قرية ظالمة، بدليل قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا