الثانية لدلالتها عليها، لا دليل عليه، ولا حاجة إليه كما ترى، لأن المحذوف إذا صحت الدلالة عليه بالأخيرة فلا حاجة إلى أن هذا الأخير أصله هو الأول، ولا دليل عليه.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:(ما يلفظ من قول) أي ما ينطق بنطق ولا يتكلم بكلام (إلا لديه) أي إلا والحال أن عنده رقيبًا، أي ملكًا مراقبًا لأعماله حافظًا لها شاهدًا عليها لا يفوته منها شيء.
(عتيد) أي حاضر ليس بغائب، يكتب عليه ما يقول من خير وشر.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن الإنسان عليه حفظة من الملائكة يكتبون أعماله، جاء موضحًا في آيات كثيرة من كتاب الله، كقوله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (١٢)}، وقوله تعالى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيهِمْ يَكْتُبُونَ (٨٠)}، وقوله تعالى: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٩)}.
وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة مريم في الكلام على قوله تعالى {كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ} الآية، وفي سورة الزخرف في الكلام على قوله تعالى: {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (١٩)}.
وقد ذكر جماعة من أهل العلم أن القعيد الذي هو عن اليمين يكتب الحسنات، والذي عن الشمال يكتب السيئات، وأن صاحب الحسنات أمين على صاحب السيئات، فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشرًا، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال: أمهله ولا تكتبها عليه لعله يتوب أو يستغفر. وبعضهم يقول: يمهله سبع ساعات. والعلم عند الله تعالى.