الصفات لخمر الدنيا، فخمر الآخرة لا لغو فيها، واللغو كل كلام ساقط لا خير فيه، فخمر الآخرة لا تحمل شاربيها على الكلام الخبيث والهذيان؛ لأنها لا تؤثر في عقولهم، بخلاف خمر الدنيا، فإنهم إن يشربوها سكروا وطاشت عقولهم، فتكلموا بالكلام الخبيث والهذيان، وكل ذلك من اللغو.
والتأثيم: هو ما ينسب به فاعله إلى الإِثم، فخمر الآخرة لا يأثم شاربها بشربها؛ لأنها مباحة له، فينعم بلذتها، كما قال تعالى:{وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ}، ولا تحمل شاربها على أن يفعل إثمًا، بخلاف خمر الدنيا، فشاربها يأثم بشربها ويحمله السكر على الوقوع في المحرمات كالقتل والزنا والقذف.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من مُخَالفَة خمر الآخرة لخمر الدنيا، جاء موضحًا في آيات آخر من كتاب الله، كقوله تعالى: {يُطَافُ عَلَيهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (٤٥) بَيضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (٤٦) لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (٤٧)} وقوله (لا فيها غول) أي ليس فيها غول يغتال العقول، فيذهبها كخمر الدنيا، {وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (٤٧)} لا يسكرون، وكقوله تعالى: {يَطُوفُ عَلَيهِمْ ولْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (١٩)}، وقوله:(لا يصدعون) أي لا يصيبهم الصداع الذي هو وجع الرأس بسببها.
وقد أوضحنا معنى هذه الآيات في صفة خمر الآخرة، وبينا أنَّها مُخَالفَة في جميع الصفات لخمر الدنيا، وذكرنا الشواهد العربية في ذلك في سورة المائدة في الكلام على قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيسِرُ}.