كتابنا "دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب" في سورة النجم، وقلنا فيه ما نصه: والجواب من ثلاثة أوجه:
الأول: أن الآية إنما دلت على نفي ملك الإِنسان لغير سعيه، ولم تدل على نفي انتفاعه بسعي غيره؛ لأنه لم يقل: وأن لن يُنْتَفَع الإِنسان إلَّا بما سعى، وإنَّما قال:(وأن ليس للإِنسان)، وبين الأمرين فردا ظاهر؛ لأن سعي الغير ملك لساعيه، إن شاء بذله لغيره فانتفع به ذلك الغير، وإن شاء أبقاه لنفسه.
وقد أجمع العلماء على انتفاع الميت بالصلاة عليه والدعاء له والحج عنه ونحو ذلك مما ثبت الانتفاع بعمل الغير فيه.
الثاني: أن إيمان الذرية هو السبب الأكبر في رفع درجاتهم، إذ لو كانوا كفارًا لما حصل لهم ذلك، فإيمان العبد وطاعته سعي منه في انتفاعه بعمل غيره من المسلمين، كما وقع في الصلاة في الجماعة، فإن صلاة بعضهم مع بعض يتضاعف بها الأجر زيادة على صلاته منفردًا، وتلك المضاعفة انتفاع بعمل الغير سعى فيه المصلي بإيمانه وصلاته في الجماعة، وهذا الوجه يشير إليه قوله تعالى:{وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ}.
الثالث: أن السعي الذي حصل به رفع درجات الأولاد ليس للأولاد، كما هو نص قوله تعالى: {وَأَنْ لَيسَ لِلْإِنْسَانِ إلا مَا سَعَى (٣٩)}، ولكن من سعي الآباء، فهو سعي للآباء أقر الله عيونهم بسببه بأن رفع إليهم أولادهم ليتمتعوا في الجنَّة برؤيتهم.
فالآية تصدق الأخرى ولا تنافيها؛ لأن المقصود بالرفع إكرام الآباء لا الأولاد، فانتفاع الأولاد تبع، فهو بالنسبة إليهم تفضل من الله