وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا، والجواب عما يرد عليها من الإِشكال، في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥)}، وذكرنا وجه الجمع بين الآيات الواردة في ذلك في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى: {وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (٢٥)}.
وأما الخامس منها، وهو أنَّه ليس للإِنسان إلَّا ما سعى، فقد جاء موضحًا في آيات من كتاب الله، كقوله تعالى:{إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} الآية، وقوله:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيهَا} الآية، وقوله: {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (٤٤)}، والآيات بمثل هذا كثيرة معلومة.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَأَنْ لَيسَ لِلْإِنْسَانِ إلا مَا سَعَى (٣٩)} يدل على أن الإِنسان لا يستحق أجرًا إلَّا على سعيه بنفسه، ولم تتعوض هذه الآية لانتفاعه بسعي غيره بنفي ولا إثبات؛ لأن قوله:(وأن ليس للإِنسان إلَّا ما سعى) قد دلت اللام فيه على أنَّه لا يستحق ولا يملك شيئًا إلَّا بسعيه، ولم تتعوض لنفي الانتفاع بما ليس ملكًا له ولا مستحقًا له.
وقد جاءت آية من كتاب الله تدل على أن الإِنسان قد يُنْتَفَعُ بسعي غيره، وهي قوله تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيءٍ}.
وقد أوضحنا وجه الجمع بين قوله تعالى: {وَأَنْ لَيسَ لِلْإِنْسَانِ إلا مَا سَعَى (٣٩)} وبين قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ} الآية، في