القليل من الآخرين المذكورين هنا، كما اختلفوا في الثلتين المذكورتين في قوله: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤)}.
فقال بعض أهل العلم: كل هؤلاء المذكورين من هذه الأمة، وأن المراد بالأولين منهم الصحابة.
وبعض العلماء يذكر معهم القرون المشهود لهم بالخير في قوله - صلى الله عليه وسلم - :"خير القرون قرني ثم الذين يلونهم" الحديث.
والذين قالوا: هم كلهم من هذه الأمة، قالوا: إنما المراد بالقليل وثلةٍ من الآخرين، هم من بعد ذلك إلى قيام الساعة.
وقال بعض العلماء: المراد بالأولين في الموضعين الأمم الماضية قبل هذه الأمة، والمراد بالآخرين فيهما هو هذه الأمة.
قال مقيده عفا الله عنه، وغفر له: ظاهر القرآن في هذا المقام: أن الأولين في الموضعين من الأمم الماضية، والآخرين فيهما من هذه الأمة، وأن قوله تعالى: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤)} في السابقين خاصة، وأن قوله: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠)} في أصحاب اليمين خاصة.
وإنما قلنا: إن هذا هو ظاهر القرآن في الأمور الثلاثة، التي هي شمول الآيات لجميع الأمم، وكون قليل من الآخرين في خصوص السابقين، وكون ثلة من الآخرين في خصوص أصحاب اليمين؛ لأنه واضح من سياق الآيات.
أما شمول الآيات لجميع الأمم فقد دل عليه أول السورة؛ لأن قوله: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (١)} إلى قوله: {فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (٦)} لا شك أنه لا يخص أمة دون أمة، وأن الجميع مستوون في الأهوال والحساب والجزاء.