فدل ذلك على أن قوله: {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (٧)} عام في جميع أهل المحشر، فظهر أن السابقين وأصحاب اليمين منهم من هو من الأمم السابقة، ومنهم من هو من هذه الأمة.
وعلى هذا، فظاهر القرآن أن السابقين من الأمم الماضية أكثر من السابقين من هذه الأمة، وأن أصحاب اليمين من الأمم السابقة ليست أكثر من أصحاب اليمين من هذه الأمة؛ لأنه عبر في السابقين من هذه الأمة بقوله: {وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤)} وعبر عن أصحاب اليمين من هذه الأمة {وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠)}.
ولا غرابة في هذا؛ لأن الأمم الماضية أمم كثيرة، وفيها أنبياء كثيرة ورسل، فلا مانع من أن يجتمع من سابقيها من لدن آدم إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - أكثر من سابقي هذه الأمة وحدها.
أما أصحاب اليمين من هذه الأمة فيحتمل أن يكونوا أكثر من أصحاب اليمين من جميع الأمم؛ لأن الثلة تتناول العدد الكثير، وقد يكون أحد العددين الكثيرين أكثر من الآخر، مع أنهما كلاهما كثير.
وبهذا تعلم أن ما دل عليه ظاهر القرآن واختاره ابن جرير، لا ينافي ما جاء من أن نصف أهل الجنة من هذه الأمة.
فأما كون قوله: {وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤)} دل ظاهر القرآن على أنه في خصوص السابقين؛ فلأن الله قال: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (١٢)}، ثم قال تعالى مخبرًا عن هؤلاء السابقين المقربين: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤)}.
وأما كون قوله:(وثلة من الآخرين) في خصوص أصحاب اليمين؛ فلأن الله تعالى قال {فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (٣٦) عُرُبًا أَتْرَابًا (٣٧) لِأَصْحَابِ