الكائنات على عظمة خالقها يفهمها كل العقلاء، كما صرح الله تعالى بذلك في قوله {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ} إلى قوله: {لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٦٤)}، وأمثال ذلك من الآيات كثيرة في القرآن.
وقد قدمنا إيضاح هذا في سورة الرعد في الكلام على قوله تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (١٥)}، وفي سورة الكهف في الكلام على قوله تعالى:{فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} الآية، وفي سورة الأحزاب في الكلام على قوله تعالى:{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَينَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا}، وفي غير ذلك من المواضع.
وقد عبر تعالى هنا في أول الحديد بصيغة الماضي في قوله:{سَبَّحَ لِلَّهِ}، وكذلك هو في الحشر والصف، وعبر في الجمعة والتغابن وغيرهما بقوله:(يسبح)، بصيغة المضارع.
قال بعض أهل العلم: إنما عبر بالماضي تارة وبالمضارع أخرى ليبين أن ذلك التسبيح لله هو شأن أهل السماوات وأهل الأرض، ودأبهم في الماضي والمستقبل. ذكر معناه الزمخشري وأبو حيان.
وقوله: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١)} هو قد قدمنا مرارًا وذكرنا أن العزيز هو الغالب الذي لا يغلبه شيء، وأن العزة هي الغلبة، ومنه قوله:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ}، وقوله:(وعزنى في الخطاب) أي غلبني في الخصام، ومن أمثال العرب: من عزّ بزّ. يعنون: من غلب استلب. ومنه قول الخنساء:
كأن لم يكونوا حمى يُختشى ... إذ الناس إذ ذاك من عز بزا