والخشوع في الشرع: خشية من الله تداخل القلوب، فتظهر آثارها على الجوارح بالانخفاض والسكون، كما هو شأن الخائف.
وقوله:(لذكر الله)، الأظهر منه أن المراد خشوع قلوبهم لأجل ذكر الله، وهذا المعنى دل عليه قوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} أي خافت عند ذكر الله، فالوجل المذكور في آية الأنفال هذه، والخشية المذكورة هنا معناهما واحد.
وقال بعض العلماء: المراد بذكر الله: القرآن، وعليه فقوله:{وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} من عطف الشيء على نفسه مع اختلاف اللفظين، كقوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (٣)}، كما أوضحناه مرارًا.
وعلى هذا القول، فالآية كقوله تعالى:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}، فالاقشعرار المذكور، ولين الجلود والقلوب عند سماع هذا القرآن العظيم المعبر عنه بأحسن الحديث، يفسر معنى الخشوع لذكر الله وما نزل من الحق هنا، كما ذكر.
وقوله تعالى:{وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَال عَلَيهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} قد قدمنا في سورة البقرة في الكلام على قوله: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ} بعض أسباب قسوة قلوبهم، فذكرنا منها طول الأمد المذكور هنا في آية الحديد هذه، وغير ذلك في بعض الآيات الأخر.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من كثرة الفاسقين من أهل