ومن أمثلته بيان قوله:{وَالزَّانِي} بمفهوم الموافقة في قوله: {بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ} فإنه يفهم من مفهوم موافقته أن العبد الذكر كالأمة في ذلك يجلد خمسين، فبين هذا المفهوم أن المراد بالزاني خصوص الحر.
واعلم أن مثل هذا من مفهوم الموافقة يسميه الشافعي وبعض الأصوليين قياسًا، وهو المعروف عندهم بالقياس في معنى الأصل، ويسمى مفهوم الموافقة، وإلغاء الفارق، وتنقيح المناط، وأكثر أهل الأصول على أنه مفهوم، وليس بقياس، كما سترى تحقيقه في مواضع من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
ومن أمثلة بيان المنطوق بالمفهوم قوله في الخمر:{رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيطَانِ} فإنه يدل على أنها نجسة العين، لأن الرجس هو المستقذر الخبيث، ويدل له مفهوم قوله في شراب الآخرة: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (٢١)}؛ فإن مفهومه أن خمر أهل الدنيا ليست كذلك. كما قاله الفراء وغير واحد، وسترى إيضاحه في المائدة إن شاء الله تعالى.
الرابعة: بيان مفهوم بمفهوم ومثاله قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} على القول بأن المراد بالمحصنات الحرائر، كما رُويَ عن مجاهد، فإنه يدل بمفهومه على أن الأمة الكتابية لا يجوز نكاحها، ويدل لهذا أيضًا مفهوم قوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ} فمفهوم قوله {الْمُؤْمِنَاتِ} يدل على منع تزوج الإماء الكافرات ولو عند الضرورة، وهو بيان مفهوم بمفهوم كما ترى.