واحتجوا أيضاً بعموم قوله تعالى:{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} ويروى هذا القول عن علي، وابن عباس، وابن عمر، والليث، والثوري، وإسحاق، وعائشة، وغيرهم.
واحتج من قال بجواز أكل المحرم ما صاده الحلال مطلقاً بعموم الأحاديث الواردة بجواز أكل المحرم من صيد الحلال، كحديث طلحة بن عبيد الله عند مسلم، والإمام أحمد "أنه كان في قوم محرمين فأهدي لهم طير، وطلحة راقد، فمنهم من أكل، ومنهم من تورع فلم يأكل فلما استيقظ طلحة رضي الله عنه وافق من أكله وقال: "أكلناه مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -".
وكحديث البهزي -واسمه زيد بن كعب- أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - في حمار وحشي عقير في بعض وادي الروحاء، وهو صاحبه: "شأنكم بهذا الحمار، فأمر - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر فقسمه في الرفاق وهم محرمون" أخرجه الإمامان مالك في موطئه، وأحمد في مسنده، والنسائي وصححه ابن خزيمة وغيره، كما قاله ابن حجر. وممن قال بإباحته مطلقاً أبو حنيفة وأصحابه.
قال مقيده - عفا الله عنه -: أظهر الأقوال وأقواها دليلاً هو القول المفصل بين ما صيد لأجل المحرم، فلا يحل له، وبين ما صاده الحلال، لا لأجل المحرم، فإنه يحل له، والدليل على هذا أمران:
الأول: أن الجمع بين الأدلة واجب متى أمكن؛ لأن إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما، ولا طريق للجمع إلا هذه الطريق، ومن عدل عنها لا بد أن يلغي نصوصاً صحيحة.