ومن المعلوم أن من يحتج بالمرسل يحتج بعنعنة المدلس من باب أولى، فظهرت صحة الاحتجاج بالحديث المذكور عند مالك وأبي حنيفة وأحمد مع أن هذا الحديث له شاهد عند الخطيب وابن عدي من رواية عثمان بن خالد المخزومي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، كما نقله ابن حجر في التلخيص وغيره، وهو يقويه وإن كان عثمان المذكور ضعيفاً؛ لأن الضعيف يقوي المرسل، كما عرف في علوم الحديث، فالظاهر أن حديث جابر هذا صالح، وأنه نص في محل النزاع، وهو جمع بين هذه الأدلة بعين الجمع الذي ذكرنا أولاً، فاتضح بهذا أن الأحاديث الدالة على منع أكل المحرم مما صاده الحلال كلها محمولة على أنه صاده من أجله، وأن الأحاديث الدالة على إباحة الأكل منه محمولة على أنه لم يصده من أجله، ولو صاده لأجل محرم معين حرم على جميع المحرمين خلافاً لمن قال: لا يحرم إلا على ذلك المحرم المعين الذي صيد من أجله.
ويروى هذا عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهو ظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أو يصد لكم" ويدل للأول ظاهر قوله في حديث أبي قتادة: "هل منكم أحد أمره أن يحمل عليها، أو أشار لها؟ قالوا: لا، قال: فكلوه" فمفهومه أن إشارة واحد منهم تحرمه عليهم كلهم، ويدل له أيضاً ما رواه أبو داود عن علي أنه دعي وهو محرم إلى طعام عليه صيد فقال:"أطعموه حلالاً فإنا حرم" وهذا مشهور مذهب مالك عن أصحابه مع اختلاف قوله في ذلك.