استويا فهو المجمل كما ذكرناه. وحكم النص أنه لا يعدل عنه إلا بنسخ، وحكم الظاهر أنه لا يعدل عنه إلا بدليل أقوى منه يدل على صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه إلى المحتمل المرجوح، وحكم المجمل أن يتوقف فيه حتى يدل دليل مبين للمقصود من المحتمل، وصرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه إلى المحتمل المرجوح هو المعروف في اصطلاح أهل الأصول بالتأويل، وسيأتي إيضاح أنواع التأويل كلها إن شاء الله تعالى في آل عمران.
واعلم أن اللفظ قد يكون واضح الدلالة من وجه مجملًا من وجه آخر كقوله تعالى:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} فإنه واضح في إيتاء الحق، مجمل في مقداره؛ لاحتماله النصف أو أقل أو أكثر، وإلى هذا أشار في مراقي السعود بقوله:
وقد يجيء الإجمال من وجه ومن ... وجه يراه ذا بيان من فطن
وأما البيان فهو لغة: اسم مصدر بمعنى التبيين، وهو الإيضاح والإظهار كالسلام بمعنى التسليم، والكلام بمعنى التكليم، والطلاق بمعنى التطليق، وقد يطلق على المبين بالكسر والفتح، ومن أهل الأصول من يطلق البيان على كل إيضاح سواء تقدمه خفاء أم لا، وكثير من الأصوليين لا يطلقون البيان باصطلاح الأصولي إلا على إظهار ما كان فيه خفاء، وعليه درج في مراقي السعود بقوله معرفًا للبيان في الاصطلاح:
تصيير مشكل من الجلى ... وهو واجب على النبي
إذا أريد فهمه وهو بما ... من الدليل مطلقًا يجلو العمى