فكل ما يزيل الإشكال يسمى بيانًا في الاصطلاح بمعنى المبين بالكسر، وسترى إن شاء الله في هذا الكتاب المبارك من أنواع البيان، وأنواع ما به البيان ما فيه كفاية.
واعلم أن التحقيق جواز بيان المتواتر من كتاب أو سنة بأخبار الآحاد، وكذلك يجوز بيان المنطوق بالمفهوم كما قدمنا خلافًا لقوم منعوا ذلك زاعمين أن المنطوق أظهر من المفهوم، والأظهر لا يبين بالأخفى، وحكاه الباجي عن أكثر المالكية.
وأجيب بأنه ما كل منطوق يقدم على المفهوم، بل بعض المفاهيم أقوى دلالة على الأمر من دلالة المنطوق عليه، ألا ترى أن دلالة مفهوم حديث "في الغنم السائمة زكاة" عند من لا يرى الزكاة في المعلوفة أظهر في عدم الزكاة في المعلوفة، من دخولها في عموم منطوق حديث "في أربعين شاة شاة"، لأن المفهوم أخص بها وأقوى دلالة فيها من عموم المنطوق، وإلى هذا أشار في مراقي السعود بقوله:
وبين القاصر من حيث السند ... أو الدلالة على ما يعتمد
فالبيان بالقاصر سندًا كبيان المتواتر بالآحاد، والبيان بالقاصر دلالة كبيان المنطوق بالمفهوم كما قدمنا، والمراد بقصوره في الدلالة أغلبية ذلك، لا لزومه في كل حال كما أشرنا إليه آنفًا.
وحكى القاضي الباقلاني عن جماعة من العراقيين أن المبين بالفتح إن كان وجوبه يعم جميع المكلفين كالصلاة فلا يبين إلا بمتواتر، وإليه أشار في مراقي السعود بقوله: