ويبين هذا القول ويشهد له قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (١٦) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً} الآية، وقوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)} مع قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} وقوله: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (٧)} وسيأتي إن شاء الله تحقيق هذا المقام بإيضاح في سورة الأعراف.
واعلم أن ما يزعمه الجهميه "من أن الله تعالى في كل مكان" مستدلين بهذه الآية على أنه في الأرض ضلال مبين، وجهل بالله تعالى؛ لأن جميع الأمكنة الموجودة أحقر وأصغر من أن يحل في شيء منها رب السماوات والأرض الذي هو أعظم من كل شيء، وأعلى من كل شيء، محيط بكل شيء ولا يحيط به شيء، فالسماوات والأرض في يده جل وعلا أصغر من حبة خردل في يد أحدنا، وله المثل الأعلى، فلو كانت حبة خردل في يد رجل فهل يمكن أن يقال: إنه حال فيها، أو في كل جزء من أجزائها، لا وكلا، هي أصغر وأحقر من ذلك، فإذا علمت ذلك فاعلم أن رب السماوات والأرض أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء "محيط بكل شيء" ولا يحيط به شيء، ولا يكون فوقه شيء: {لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٣)} سبحانه وتعالى علواً كبيراً، لا نحصي ثناءً عليه، وهو كما أثنى على نفسه: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (١١٠)}.