متعبد بتلاوته، ولم يؤخر - صلى الله عليه وسلم - تبليغه بخلاف غيره، قال بعض أهل الأصول: قد يمنع تعجيل التبليغ، ويجب تأخيره إلى وقت الحاجة إن كان يخشى من تعجيله مفسدة، قالوا: فلو أمر - صلى الله عليه وسلم - بقتال أهل مكة بعد سنة من الهجرة، وجب تأخير تبليغ ذلك للناس، لئلا يستعد العدو إذا علم ويعظم الفساد، ولذلك لما أراد عليه الصلاة والسلام قتالهم قطع الأخبار عنهم حتى دهمهم، وكان ذلك أيسر لغلبتهم وقهرهم، وإلى هذا أشار في المراقي بقوله:
وجائز تأخير تبليغ له ... ودرء ما يخشى أبى تعجيله
والضمير في قوله: له عائد إلى الاحتياج في البيت المذكور قبله، أي: جائز تأخير التبليغ إلى وقت الاحتياج له.
المسألة الرابعة: لا يشترط في البيان أن يعلمه جميع المكلفين الموجودين في وقته، بل يجوز أن يكون بعضهم جاهلًا به ودليله الوقوع، فقد جاءت فاطمة الزهراء والعباس -رضي الله عنهما- أبا بكر - رضي الله عنه - يطلبان ميراثهما من النبي - صلى الله عليه وسلم - متمسكين بعموم {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} الآية، وعموم {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} ولم يعلما أنه - صلى الله عليه وسلم - بين أن هذا العموم لا يتناول الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه بقوله:[إنا معاشر الأنبياء لا نورث] الحديث - وإلى هذه المسألة أشار في المراقي بقوله:
ونسبة الجهل لذى وجود ... بما يخصص من الموجود
وسميته: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، وهذا أوان الشروع في المقصود.