للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما دليل الجمهور منهم مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله على أن الفواكة والخضراوات لا زكاة فيها فظاهر؛ لأن الخضراوات كانت كثيرة بالمدينة جداً، والفواكه كانت كثيرة بالطائف، ولم ينقل عنه - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من أصحابه أنه أخذ الزكاة من شيء من ذلك.

قال القرطبي في تفسيره هذه الآية: وقد كان بالطائف الرمان والفرسك والأترج، فما اعترضه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا ذكره، ولا أحد من خلفائه.

قلت: وهذا وإن لم يذكره في الأحكام هو الصحيح في المسألة، وأن الخضراوات ليس فيها شيء.

وأما الآية فقد اختلف فيها: هل هي محكمة أو منسوخة، أو محمولة على الندب؟ ولا قاطع يبين أحد محاملها، بل القاطع المعلوم ما ذكره ابن بكير في أحكامه أن الكوفة افتتحت بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبعد استقرار الأحكام بالمدينة، أفيجوز أن يتوهم متوهم، أو من له أدنى بصيرة أن تكون شريعة مثل هذه عطلت فلم يعمل بها في دار الهجرة ومستقر الوحي، ولا خلافة أبي بكر حتى عمل بذلك الكوفيون؟ إن هذه لمصيبة فيمن ظن هذا، أو قال به.

قلت: ومما يدل على هذا من معنى التنزيل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} أتراه يكتم شيئاً أمر بتبليغه أو بيانه -حاشاه من ذلك- وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ومن كمال الدين كونه لم يأخذ من الخضراوات شيئاً. وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما -فيما رواه الدارقطني-: إن المقاثي كانت تكون عندنا تخرج عشرة