وقرأت قوله تعالى:{قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ} الآية.
ويجاب عن هذا بأن ملقام بن تلب مستور لا يعرف حاله، وبأن قول أبيه تلب بن ثعلبة رضي الله عنه: لم أسمع لحشرة الأرض تحريماً لا يدل على عدم تحريمها، كما قاله الخطابي، والبيهقي؛ لأن عدم سماع صحابي لشيء لا يقتضي انتفاءه كما هو معلوم، وبأنه تعالى لم يسكت عن هذا؛ لأنه حرم الخبائث، وهذه خبائث لا يكاد طبع سليم يستسيغها، فضلاً عن أن يستطيبها، والذين يأكلون مثل هذه الحشرات من العرب إنما يدعوهم لذلك شدة الجوع، كما قال أحد شعرائهم:
أكلنا الربى يا أم عمرو ومن يكن ... غريباً لديكم يأكل الحشرات
والربى جمع ربية، وهي الفأرة. قاله القرطبي.
وفي اللسان أنها دويبة بين الفأرة وأم حبين. ولتلك الحاجة الشديدة لما سئل بعض العرب عما يأكلون؟ قال: كل ما دب ودرج، إلا أم حبين، فقال: لتهن أم حبين العافية.
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أباح قتل الفأرة، وما ذكر معها من الفواسق، فدل ذلك على عدم إباحتها.
واعلم أن ما ذكره بعض أهل العلم كالشافعي من أن كل ما يستخبثه الطبع السليم من العرب الذين نزل القرآن عليهم في غير حال ضرورة الجوع حرام؛ لقوله تعالى:{وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} الآية. استدلال ظاهر، لا وجه لما رده به أهل الظاهر من أن ذلك أمر لا يمكن أن يناط به حكم، لأنه لا ينضبط، لأن معنى الخبث